نظرات في متون الأخبار ودلالاتها
وهلم معي... بعد النظر في أسانيد أخبار القصّة... إلى النظر في
ألفاظها ودلالاتها... لنرى التضارب في الدلالة والتلاعب في اللفظ... في
جمع مراحل القصة...
(1)
لقد جاء في الأخبار المذكورة أن الإمام عليه السلام اعتل بالصغر وبأنه
حبسها على ابن أخيه جعفر بن أبي طالب، ففي رواية لابن سعد: «فقال عليّ:
إنما حبست بناتي على أولاد جعفر» وعند الحاكم: «إني لأرصدها لابن أخي» وفي
أخرى لابن سعد: «إنها صبية» وكذا عند ابي عبد البرّ والأثير وغيرهما، وعند
البيهقي: «إنها لتصغر عن ذلك».
ثم إنه لم يذكر فيها إلآ أن عمر «عاوده» فقال: «أنكحنيها فوالله ما على ظهر
الأرض...، فما كان منه عليه السلام ـ بحسب هذه الأخبار ـ إلاّ أن أرسلها إليه
«لينظر إليها»...! وأضيف في بعضها بانه أمربها «فزينت» أو«فصنعت» فبعثت
إليه... فإن أعجبته ورضي بها فهي زوجة له...!
أترى أن ينقلب موقف الإمام عليه السلام من الامتناع لكونها صغيرة،
ولكونه قد حبسها لابن أخيه ـ ولعله لأسباب أخرى ايضا... غير مذكورة في
الأخبار ـ ينقلب من الامتناع إلى الانصياع، بهذه البساطة، والى هذا الحدّ؟!
إن هذا ـ لعمري ـ يستوجب الشك ويستوقف الفكر!
ولكن قد تلوح للناظر في الروايات... هنا وهناك... بعض الحقائق
التي حاول التكتم عنها في كتب القدماء أصحابها...
ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي ـ المتوفى سنة 483 هـ ـ باسناده عن
عبدالله بن عمر، قال: «صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس إنه ـ والله ـ
ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في ابنته إلا أني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلّم يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي
وصهري، فانهما ياتيان يوم القيامة يشفعان لصاحبها» (1).
يفيد هذا الخبر أن القضية كانت مورد تعجب من الناس وتساؤل في
المجتمع، الأمر الذي اضطر عمر إلى أن يعلن عن قصده في خطبة أم كلثوم،
ويحلف بالله بانه ليس إلا ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه
كان منه «الإلحاح» في ذلك... لكن لم يزد هذا اللفظ على «الإلحاح» شيئا! فلم
يوضح كيفية الإلحاح، ولا ما كان من الإمام عليه السلام...
وفي رواية الخطيب: «خطب عمر بن الخطاب الى عليّ بن أبي طالب ابنته
من فاطمة وأكثر تردده إليه، فقال: يا ابا الحسن ما يحملني عل كثرة ترددي اليك
إلا حديث سمعته من رسول الله...» ففيه: «أكثر تردده اليه».
وفي بعض الروايات ما يستشم منه التهديد، ففي رواية لابن سعد قال
عمر في جواب قول الإمام عليه السلام: «إنها صبية» قال: «إنك والله ما بك
ذلك، ولكن قد علمنا ما بك» وفي رواية الدولابي والمحب الطبري عن ابن
إسحاق: «فقال عمر: لا والله ما ذلك بك، ولكن أردت منعي»(2). ولما وقع
الخلاف بين أهل البيت في تزويجه وسمع عمر بمخالفة عقيل قال: «ويح عقيل،
سفيه أحمق»(3).
____________
(1) مناقب امير المؤمنين لابن المغازلي: 110.
(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى: 168.
(3) مجمع الزوائد 4|272.
وفي بعضها التصريح بما يدل على أنه كان لـ «درّة عمر» دور في القضية،
وذلك فيما أخرجه الدولابي بسنده عن أسلم مولى عمر قال: «فاستشار عليّ
العباس وعقيلاً والحسن، فغضب عقيل، وقال عقيل لعليّ: ما تزيدك الأيام
والشهور إلا العمى في أمرك، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن. فقال عليّ
للعباس: والله ما ذاك من نصيحة، ولكن درّة عمر أحرجته إلى ما ترى» (1).
لكن أبا نعيم الأصفهاني روى هذا الخبر عن زيد بن أسلم عن أبيه،
فحذف منه مخالفة عقيل و «درّة عمر» وهذا لفظه: «عن زيد بن أسلم، عن أبيه،
قال: دعا عمر بن الخطاب عليّ بن أبي طالب فساره. ثم قام عليّ فجاء الصفة
فوجد العباس وعقيلاً والحسين فشاورهم في تزوّج أمّ كلثوم عمر. ثم قال عليّ:
أخبرني عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: كل سبب ونسب
منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»(2).
ثم إن في عدّة من الأخبار أن الإمام عليه السلام تعلل ـ بالإضافة إلى
الصغر والحبس لابن أخيه ـ بأن قال: «إن لها أميرين معي»(3) يعني: الحسن
والحسين، وأنه عليه السلام استشارهما وعقيلا والعبّاس... فكان الخبر المذكور
عن أسلم ظاهرا في سكوت الحسن عليه السلام الظاهر في الرضاء، بل في آخر:
«فسكت الحسين وتكتم الحسن، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أبتاه من بعد
عمر؟ صحب رسول الله، وتوفي وهو عنه راض، ثم ولي الخلافة فعدل ؟ قال:
صدقت يا بني. ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما»(4).
لكن ينافيه ما أخرجه البيهقي عن ابن ابي مليكة عن الحسن بن الحسن:
«فقال عليّ رضي الله عنه لحسن وحسين: زوجا عمّكما. فقالا: هي امرأة من
النساء تختار لنفسها. فقام عليّ رضي الله عنه مغضباً، فامسك الحسن رضي الله
____________
(1) الذريّة الطاهر: 158، عنه ذخائر العقبى: 170، مجمع الزوائد 4|272 عن الطبراني.
(2) حلية الأولياء 2|34.
(3) ذخائر العقبى: 169.
(4) ذخائر العقبى: 170.
عنه بثوبه وقال: لا صبر على هجرانك يا أبتاه. قال: فزوجاه» (1).
فعمد بعضهم إلى تحريف القصة المكذوبة هذه فروى عن الحسن بن
الحسن نفسه وقوع ذلك الخلاف حول تزويجها من عون فقال: «لما تايمت أم كلثوم
بنت عليّ بن أبي طالب من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ دخل عليها الحسن
والحسين أخواها فقالا لها...»(2) وهو خبر طويل يشتمل على أكاذيب مخجلة
وأباطيل مضحكة...
(2)
قد عرفت اعتلال الإمام عليه السلام بالصغر في كثيرمن الأخبار...
والذي يظهر منها أن عمر ما كان يصدقه عليه السلام في ذلك، ولذا كان يعاوده
ويكثر التردد إليه ويلح عليه... حتى وصل الأمر إلى التهديد، بل في بعض
الأخبار تصريح بذلك، ففي رواية الدولابي والمحب الطبري:
«قال: هي صغيرة. فقال عمر: لا والله ما ذلك بك، ولكن أردت منعي،
فإن كانت كما تقول فابعثها الي...»(3).
ولما كان ذلك كلّه من عمر من القبح بمكان... أعرض بعضهم عن نقل
الاعتلال والإصرار والتهديد والتكذيب... كما لا يخفى على من راجع لفظ رواية
الخطيب...
____________
(1) سنن البيهقي 7|114.
(2) الذرية الطاهرة: 158، ذخائر العقبى: 171.
(3) الذرية الطاهرة: 158، ذخائر العقبى: 171.
(3)
قال ابن سعد عن الواقدي وغيره: «ثم أمر ببردٍ فطواه وقال: انطلقي
بهذا...».
وفي لفظ المحب الطبري عن ابن إسحاق: «فدعاها فاعطاها حلّة وقال:
انطلقي بهذه...» وذلك «لينظر إليها». ولذا قالت لما رجعت إلى أبيها: «ما نشر
البرد ولا نظر إلا إلي».
وهذا ما استقبحه بعضهم كسبط ابن الجوزي كما سيأتي....
ولم يتعرض له آخر في روايته... روى أبو بشر الدولابي: «فدعا أمّ كلثوم
وهي يومئذٍ صبيّة فقال: انطلقي إلى أميرالمؤمنين فقولي له: إن ابي يقرؤك السلام
ويقول لك: إنا قد قضينا حاجتك التي طلبت...».
وروى الخطيب: «خطب إلى عليّ أم كلثوم فقال: أنكحنيها. فقال علي:
إني لأرصدها لابن أخي عبدالله بن جعفر. فقال عمر: انكحنيها، فوالله ما من
الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فانكحه عليّ، فاتى عمر
المهاجرين...».
(4)
قضية أن علياً عليه السلام امر بأم كلثوم «فصنعت» كما في رواية ابن سعد
عن الواقدي، و«فزيّنت» في رواية الخطيب عن عقبه بن عامر، وانه «كشف عن
ساقها» في رواية ابن عبد البرّ وغيره عن الإمام الباقر!! فظيعة بالغة في الفظاعة إلى
أبعد الحدود !!
ألا يستحي هؤلاء الوضّاعون من نسبة هذه الصنيعة الشنيعة ـ التي لو
سمعها واحدّ من عوام الناس لنفر منها وآستنكرها ـ إلى إمام الأئمة؟!
ألا يستحون من وضعها على لسان الإمام الباقر عليه إلسلام؟!
من هنا ترى بعضهم يحرّفون الكلمة كابن الأثير حيث ذكر: «ووضع يده
عليها» وكالدولابي والمحب الطبري حيث ذكرا في لفظ: «فأخذ عمر بذراعها» وفي
آخر: «فأخذها عمر فضمّها إليه».
وبعضهم ـ كالحاكم والبيهقي ـ لم يذكروا شيئاً من ذلك... قال المحبّ
الطبري بعد حديث من ذاك القبيل: «وخرج ابن سمان معناه ولفظه مختصرا...»
فكان ما خرجه خلواً من ذلك (1).
وبعضهم يكذب ذلك كلّه بصراحة كسبط ابن الجوزي ـ المتوفى سنة 654
هجرية ـ حيث يقول:
«وذكر جدّي في كتاب المنتظم: أن علياً بعثها إلى عمر لينظرها، وأن عمر
كشف ساقها ولمسها بيده.
قلت: وهذا قبيح والله، لو كانت أمة لما فعل بها هذا.
ثم بإجماع المسلمين لا يجوز لمس الأجنبية، فكيف ينسب عمر إلى
هذا؟!»(2)
قلت:
وليس اللمس فقط! ففي رواية الخطيب التقبيل والأخذ بالساق !!
____________
(1) انظر: ذخائر العقبى: 169.
(2) تذكرة خواص الأمّة: 321.
(5)
قد اشتمل لفظ الخبر عند ابن اسعد وغيره على قول عمر للمهاجرين:
«رفئوني فرفّئوه»(1) ومعنى ذلك: «قولوا لي: بالرفاء والبنين»(2).
وكان هذا من رسوم الجاهلية التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلّم باتفاق المسلمين: أخرج أحمد بإسناده قال: «تزوج عقيل بن أبي طالب،
فخرج علينا فقلنا: بالرفاء والبنين فقال: مه، لا تقولوا ذلك، فإن النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلّم قد نهانا عن ذلك وقال: قولوا بارك الله لك، وبارك عليك،
وبارك لك فيها»(3).
ولأجل دلالة قول عمر هذا على جهله! أو أنه كان يريد إحياء سنن
الجاهلية!! اضطر القوم إلى تحريف الكلمة والتصرّف فيها، ففي المستدرك:
«فاتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنوني».
وفي سنن البيهقي:
«أتى... فدعوا له بالبركة».
وفي تاريخ الخطيب لم ينقله أصلا...
____________
(1) طبقات ابن سعد 8|463، كنز العمال 13|624، الاستيعاب وأُسد الغابة والاصابة.
(2) ذخائر العقبى: 169، ولاحظ «رفأ» في لسان العرب وغيره.
(3) مسند احمد بن حنبل 3|451، وأنظر: وسائل الشيعة 14|183.
(6)
في رواية غير واحدٍ منهم أنها ولدت له «زيداً».
وفي رواية سعد وجماعة: «ولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر».
وفي رواية النووي في ولد عمر: «وفاطمة وزيد، امّهما أم كلثوم...» (1).
وفي رواية ابن قتيبة في بنات عليّ: «ولدت له ولدا قد ذكرناهم»(2).
(7)
أكثر الأخبار على أن ام كلثوم تزوج بها بعد عمر: «عون» و«محمد» ابنا
جعفر بن أبي طالب...
ولكن القائلين بتزوجهما بها بعده يقولون بأن الرجلين قُتلا في حرب تستر،
وهذه الحرب كانت في عهد عمر !
قال ابن عبد البرّ: «عون بن جعفر بن أبي طالب. ولد على عهد رسول الله
صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. أمه وأمّ أخويه عبدالله ومحمد بني جعفر بن أبي
طالب: أسماء بنت عميس الخثعمية.
واستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر بتستر. ولا عقب له» (3).
____________
(1) تهذيب الأسماء واللغات 2|15.
(2) المعارف: 92.
(3) الاستيعاب: 3|1247.
وقال: «محمد بن جعفر بن أبي طالب. ولد على عهد النبي صلى الله عليه
[وآله] وسلّم... هو الذي تزوّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر
ابن الخطاب...
واستشهد محمد بن جعفر بتستر»(1).
وقال ابن حجر: «استشهد عون بن جعفر في تستر، وذلك في خلافة عمر،
وما له عقب»(2).
وكذا قال ابن الأثير(3).
وأما أن تلك الحرب كانت في عهد عمر فذاك ما نص عليه المؤرخون (4)
وصرح به ابن حجر في عبارته السالفة.
فانظر إلى تناقضات القوم وتعجب!!
(8)
واختلفت رواياتهم... فابن سعد والدارقطني ـ كما في الإصابة ـ يذكران
أن عوناً مات عنها، فتزوجها أخوه محمد، ثم مات عنها محمد فتزوجها عبدالله،
فروى ابن سعد أنها قالت: إني لأستحي من أسماء بنت عميس، إن ابنيها ماتا
عندي، وإني لأتخوف على هذا الثالث. فهلكت عنده» (5).
____________
(1) الاستيعاب: 3|1367.
(2) الأصابة 3|44.
(3) أُسد الغابة 4|157.
(4) تاريخ الطبري 4|213، الكامل في التاريخ 2|546 وغيرهما.
(5) الطبقات الكبرى 8|462.
لكن ابن قتيبة يذكر: أنه لما قتل عمر تزوجها محمد بن جعفر فمات عنها،
ثم تزوجها عون بن جعفر، فماتت عنده»(1).
فتراه يذكر تزوج محمد بن جعفر بها قبل عون، وموتها عند عون، ولا يذكر
عبدالله...
وابن عبد البرّـ وإن لم يتعرض بترجمتها لزواجها بعد عمر أصلاً، ولا لتزوّج
عون بها بترجمته ـ يذكر بترجمة محمد بن جعفر: او محمد بن جعفر بن أبي طالب
هذا هو الذي تزوج أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب بعد موت عمر بن
الخطاب (2).
(9)
وعبدالله بن جعفر... كان زوج العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه
السلام، وكانت تحته حتى وفاتها بعد واقعة الطف:
قال ابن سعد: «زينب بنت عليّ بن أبي طالب... تزوجها عبدالله بن
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، فولدت له علياً وعونا الأكبر وعبّاساً ومحمداً
وأم كلثوم.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، قال: حدّثني
عبد الرحمن بن مهران: أن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب تزوج زينب بنت
عليّ، وتزوج معها امرأة عليّ ليلى بنت مسعود، فكانتا تحته جميعاً»(3).
____________
(1) المعارف: 92.
(2) الاستيعاب 3|1367.
(3) الطبقات الكبرى 8|465.
وقال النووي بترجمة عبدالله بعد ذكر أسماء أولاده: «أمهم زينب بنت عليّ
ابن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله»(1).
وقال ابن حجر: «زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية،
سبطة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أمها فاطمة.
قال ابن الأثير: إنها ولدت في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكانت
عاقلة لبنت خولة، زوجها أبوها ابن أخيه عبدالله بن جعفر، فولدت له أولاداً،
وكانت مع أخيها لما قتل، فحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية،
وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور، يدل على عقل
وقوة جنان»(2).
وعلى هذا... فلو كانت ام كلثوم المتوفاة على عهد معاوية هي أم كلثوم
بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وأنها كانت زوجة عبدالله بعد أخويه... كما
تقول تلك الأخبار... كان معنى ذلك جمع عبدالله بن جعفر بين الأختين...
وهذا مّما لا يجوز وقوعه، ولا يجوز التفوّه به... ولذا قال ابن سعد: «فخلف
عليها أخوه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي
طالب».
(10)
واختلفت أخبارهم في موتها والصلاة عليها... حتى الواحد منهم اختلفت
أخباره! فابن سعد يروي عن الشعبي وعبدالله البهيّ الصلاة عليها وعلى ولدها
____________
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1|264.
(2) الإصابة 4|321.
زيد: «صلى عليهما ابن عمر» ويروي عن عمار بن أبي عمار ونافع: «صلى عليهما
سعيد بن العاص» وفى رواية بعض المؤرخين عن عمار المذكور: «سعد بن أبي
وقاص»(1).
ثم أيّاً من كان المصلّي... فالأخبار دالة على وفاتها في عهد معاوية،
للتصريح فيها بصلاة الحسن الحسين خلف الإمام... لكن الثابت في التاريخ
أن أم كلثوم بنت أمير المؤمنين شهدت واقعة الطف ـ مع أختها زينب ـ وخطبت
الخطبة المعروفة في الكوفة المذكورة في الكتب، ذكرها ابن طيفورـ المتوفى سنة 280
هجرية ـ في كتابه «بلاغات النساء» وأشار إليها ابن الأثير وغيره من كبار العلماء
والمحدّثين في لفظه «فرث» من كتبهم كالنهاية ولسان العرب وتاج العروس...
ولعلّه لذا جاء في رواية أبي داود عن عمار: «أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها،
فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد
الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة. قالوا: هذه السنة»(2).
فروى الخبر بلا ذكرٍ للإمام، ولا أن أم كلثوم هذه من هي؟ وابنها من هو؟
وفي رواية النسائي عن عمار: «حضرت جنازة صبي وامرأة، فقدّم الصبي
مما يلي الإمام، ووضعت المرأة وراءه، وصليّ عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري
وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة ـ رضي الله عنهم ـ فسألتهم عن ذلك. فقالوا:
السنة»(3).
فروى نفس الخبر... بلا ذكر للإمام، ولا اسم الميتين، وهل كان بين
المرأة والصبي نسبة أو لا؟
____________
(1) تاريخ الخميس 2|249.
(2) سنن أبي داود 2|66.
(3) سنن النسائي 4|71.
حصيلة البحث
لقد استعرضنا أسانيد خبرتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر
ابن الخطاب... والأخبار الأخرى المتعلقة بكريمة أهل البيت الأطهار
الأطياب... فلم نجد فيها سندا يجوز الاحتجاج به والركون إليه.
ثم حققنا نصوص الأخبار ومتونها، ودققنا النظر في كلمات القوم
وأقوالهم... فوجدناها متضاربة متكاذبة... فكانت ناحية الدلالة دليلاً آخر
على أن لا أصل للقضية.
وأغلب الظن... أن القوم لما رأوا أن عمر بن الخطاب من رواة حديث:
«كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» الدال على فضيلة ومنقبة
لأهل البيت وعليّ عليه السلام خاصة، حتى أن الحاكم أورده في فضائل عليّ كما
قال المنّاوي (1). عمدوا إلى وضع قصة خطبة عمر ابنة عليّ وربطوا الحديث
المذكور بها....
ومما يشهد بما ذكرنا أن غير واحد من كبار محدّثي القوم يروون عنه الحديث
مجردّا عن تلك القصة، كما يروونه عن غيره:
قال المتقي: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. طب ك
هق عن عمر. طب عن ابن عبّاس وعن المسور.
كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامه إلا نسبي وصهري. ابن عساكر عن
ابن عمر»(2).
____________
(1) فيض القدير5 |20.
(2) كنز العمال 11|409.
وقال إبن المغازلي: «قوله عليه السلام: كل سبب ونسب منقطع يوم
القيامة. الحديث» ثم رواه بإسناده عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس عن عمر.
وبإسناده عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر. وبإسناده عن الثوري عن
الإمام جعفر بن محمد...» (1).
ونظير هذا حديث: «فاطمة بضعة مني...» الوارد عن غير واحد من
الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أكثرمن موضع، فان بعضهم
لما رأى ما في هذا الحدّيث الثابت المخرج في الصحاح من دلالات في أبعاد
مختلفة... عمد إلى وضع قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل وربط الحديث
بها... (2).
ثم إن هذه خطبة... وتلك خطبة...
لكن خطبة عمر كانت لابنة عليّ عليه السلام... وخطبة عليّ كانت لابنة
أبي جهل !!.
وخطبة عمر كانت مصاهرة لفاطمة الزهراء... وخطبة علي كانت إيذاء
لفاطمة الزهراء !!.
وخطبة عمر كانت لما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله:
كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي... وخطبة عليّ كانت
مخالفة للنبي ومقاطعة له... حتى طالبه بطلاق ابنته !!.
وعلى الجملة... فقد عرفت حال أخبار القصة سندا... فرواتها بين
«مولى عمر» و«قاضي الزبير» و«قاتل عمار» و«علماء الدولة الأموية» ورجال أسانيدها
بين «كذّاب» و«وضاع» و«ضعيف» و«مدلّس»...
____________
(1) مناقب أمير المؤمنين: 110.
(2) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع.
فهذا حال رواتها وأسانيدها... وأغلب الظن كون السبب في وضعها
وحكايتها ما ذكرناه... لا سيّما... وبعض الرواة مشترك في القصّتين...
فإن قيل
وهل بعد ذلك كلّه من وجه احتمال توجّه به أخبار القصّة على فرض
صحتها سنداً، لا سيما والقصة مشهورة بين العامة، وبها روايات عن طريق الخاصة
وإن كانت شاذة؟
قلت:
قد اشتملت الأخبار المذكورة على ما لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال:
كالذي رووه من إرسال الإمام عليه السلام إياها ببرد «لينظر إليها» وأنه أمر
بها «فزينت» أو «فصنعت» ونحو ذلك. والدليل على ذلك واضح.
ومن وفاتها على عهد معاوية... بدليل ثبوت وجودها في واقعة الطف
ومواقفها المشهودة فيها.
وعليه، فالتي ماتت وولدها زيد معاً في يوم واحد... وصلى عليهما فلان
أو فلان... هي زوجة أخرى من زوجات عمر، سواء كان اسمها أم كلثوم
ـ فقد كان غير واحدة من زوجاته اسمها أو كنيتها أم كلثوم ـ أو لم يكن.
ويؤكد هذا الاحتمال ـ على فرض صحّة الأسانيد ـ روايات أبي داود
والنسائي وغيرهما....
وعلى هذا فلا مستند لما قالوا من أن أمّ كلثوم بنت الإمام عليه السلام ولدت
لعمر «زيدا»... إذ ليس إلا الأخبار المذكورة، وقد عرفت حالها...
كما أنه لا مستند لما ذكروا من أنها ولدت له بنتا... مع اختلافهم فيها وفي
اسمها...
ويؤكد ذلك ما ذكره غير واحد من علماء الإسلام من أنّ عمر مات عنها
صغيرة!
منهم الشيخ أبو محمد النوبختي من قدماء العلماء الإمامية حيث قال في
كتاب الإمامة له: «إن أم كلثوم كانت صغيرة، ومات عمر قبل أن يدخل
بها»(1).
ومنهم: الشيخ أبو عبدالله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي ـ المتوفى
سنة 1122 هـ ـ (2)... فإنه قال في معنى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:
«والمراد بالقرابة من ينتسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب لقوله: من
صنع إلى أحد من ولد عبد المطلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافاته غداً
إذا لقيني. رواه الطبراني في الأوسط عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ.
فخرج بذلك من انتسب إلى من فوق عبد المطلب، كأولاد عبد مناف، أو
من يساوية كأولاد هاشم إخوة عبد المطلب، أو انتسب له ولا صحبة له ولا رؤية.
ولعله ليس بمراد ممن صحب النبي منهم أو رآه من ذكر وأنثى. وهو عليّ وأولاد
الحسن والحسين ومحسن ـ بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة
مهملتين ـ وأم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب، ومات عنها قبل بلوغها، فتزوجها
عون بن جعفر فمات عنها، فتزوج بأخيه محمد ثم مات، فتزوجها أخوهما عبدالله
ثم ماتت عنده. ولم تلد لواحد من الثلاثة سوى لمحمد ابنة ماتت صغيرةً. فلا
عقب لأمّ كلثوم، كما قدم المصّنف في المقصد الثاني» (3).
____________
(1) بحار الأنوار 42|91.
(2) توجد ترجمته في سلك الدرر في اعلام القرن الثاني عشر 4|32.
(3) شرح المواهب اللدنية ـ مبحث قرابة النبي 7|9.
وقد يشهد به على فرض ثبوت أصل التزويج اصرار عمر على أن ألغرض من
خطبة أن يكون صهراً للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم... وقوله في بعض
الألفاظ: «أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله» وتأكيده في بعض
آخر: «اني لم أرد الباه»...
الخبر في روايات الإماميّة(1)
لقد أشرنا ـ في السؤال ـإلى شهرة خبر تزويج اُمّ كلثوم من عمر بن
الخطاب، والى وجود رواياتٍ به في كتب أصحابنا، ولكن ـ وبالرّغم من الشهرة
والروايات ـ نجد جمعاً من أكابرنا ينكرون الخبر من أصله، كما لا يخفى على من
راجع رسائل الشيخ المفيد والسيد المرتضى والسيد ناصر حسين نجل صاحب
عبقات الأنوار وغيرهم، في هذا الموضوع.
إلا أنا نؤكد على أن ما ورد بسند معتبر من طرقنا لا يدلّ إلا على ما ذكرناه في
جواب السؤال، ونقلنا فيه كلام النوبختي من أصحابنا، والزرقاني من أهل السنة...
فلنذكر تلك الأخبار:
1 ـ عن أبي عبدالله عليه السلام: «في تزويج ام كلثوم، فقال: إن ذلك فرج
غصبناه».
2 ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين:
إنها صبية، قال: فلقي العباس فقال له: ما لي؟ أبي بأس؟ قال: وما ذاك؟ قال:
خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لأعودن زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا
هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين بانه سرق، ولأقطعن يمينه. فأتاه العباس
____________
(1) أضفنا هذا الفصل بطلب من بعض أهل الفضل، تتميماً للبحث ـ حيث كان على ضوء روايات أهل
السنة فقط ـ وشرحاً لما أوجزناه في الجواب عن «فإن قيل».
فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه» (1).
3 ـ عن سليمان بن خالد وغيره ـ واللّفظ له ـ «سألت أبا عبدالله عليه السلام
عن امرأةٍ توفي زوجها، أين تعتد؟ في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال:
بلى، حيث شاءت، ثم قال: إن عليا عليه السلام لما مات عمر أتى أم كلثوم، فأخذ
بيدها، فانطلق بها إلى بيته»(2).
فنقول ـ بناء على قبول هذه الروايات ـ: إنه ليس للخصم إلزامنا بها، لأن
غاية ما أفادته وقوع العقد بعد التهديد والتوعيد، ثم انتقال البنت إلى دار عمر، ثم
موته عنها ومجىء الإمام عليه السلام إلى داره وأخذه بيدها وانطلاقه بها إلى بيته،
ولعل في جملة «فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته» شهادة بما صرّح به غير واحد من
علماء الإسلام من انه مات عنها قبل بلوغها.
فأي فضيلة لعمر في هذا؟ وأي غضاضة على أمير المؤمنين وأهل البيت؟
وهل يدل وقوع هكذا تزويج على المصافاة والمحاباة؟ واذا كان عمر قد هدّد
أمير المؤمنين بما في الخبر، لأجل هذا «الغصب»، فما كان تهديده لأجل غصب
«الخلافة» فاضطر أمير المؤمنين وأتباعه إلى السكوت وإلى البيعة عن إكراه؟
بل لقد كان هذا «الغصب» لإزالة اثار ذاك «الغصب» ! !
ومن «عمر» تعلّم «الحجاج» ! !
إقرأ الرواية التالية:
«قال محمد بن إدريس الشافعي: لما تزوج الحجاج بن يوسف إبنة عبدالله
ابن جعفر، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان:
____________
(1) الكافي، كتاب النكاح 5|346.
(2) الكافي، كتاب الطلاق 6|115، وقد وردّت هذه الرواية في الكتب الفقهية لاشتمالها على الحكم
المذكور فيها.
أتركت الحجاج يتزوج إبنة عبدالله بن جعفر؟
قال: نعم، ما بأس بذلك.
قال: أشد البأس والله.
قال: وكيف؟
قال: والله ـ يا أمير المؤمنين ـ لقد ذهب ما في صدري على الزبير منذ
تزوّجت رملة بنت الزبير.
قال: فكأنه كان نائما فأيقظه.
قال: فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها. فطلّقها»(1).
بقي الكلام فيمن تزوّجها
قد عرفت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قد حبس بناته لأبناء أخيه
جعفر، بل إن ذلك كان بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقد «نظر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولاد عليّ وجعفر عليهما السلام فقال: بناتنا لبنينا
وبنونا لبناتنا» (2).
وفي خصوص أم كلثوم جاء في حديث: «خطب عمر إلى علي ابنته امّ كلثوم
فأعتل عليّ بصغرها وقال: أعددتها لابن اخي. يعني جعفراً» (3) فلم يعين
الابن... لكن الأمر يدور بين «عون» و «محمد» لأن «عبدالله» كان أكبرهم سناً وقد
زوّجة ابنته «زينب» كما تقدم.
فأما «عون» فلم أجد خلافاً بين علماء أهل السنة ـ والكلام كله يدور على
____________
(1) مختصر تاريخ دمشق 6|205.
(2) من لا يحضره الفقيه 3|393 باب الأكفاء.
(3) ذخائر العقبى: 169، كنز العمّال 13|624.
أخبارهم وأقوالهم ـ في أنه قتل يوم تسترعلى عهد عمر، والمفروض ـ بحسب تلك
الأخبارعلى فرض صحتهاـ كونها في عقد عمر.
أما «محمد» فقال ابن الحجر: «ذكر أبو عمر عن الواقدي أنه يكنى أبا
القاسم، وأنه تزوج أم كلثوم بنت عليّ بعد عمر. قال: واستشهد بتستر.
وقيل: إنه عاش إلى أن شهد صفين مع عليّ. قال الدارقطني في كتاب
الإخوة: يقال: إنه قتل بصفين، اعترك هو وعبيد الله بن عمر بن الخطاب فقتل
كل منهما الآخر.
وذكر المرزباني في معجم الشعراء: أنه كان مع أخيه محمد بن أبي بكر
بمصر، فلمّا قتل اختفى محمد بن جعفر، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق،
فهرب إلى فلسطين، وجاء إلى رجل من أخواله من خثعم، فمنعه من معاوية،
فقال في ذلك شعراّ.
وهذا محقق يرد قول الواقدي أنه استشهد بتستر» (1).
وعلى هذا يكون هو الذي تزوج أم كلثوم بعد موت عمر ـ على الفرض
المذكور ـ وعليه نص ابن عبد البرّ كما تقدّم.
اما «عبدالله» فمن الممكن أن يكون قد تزوج بها بعد زوجها وبعد موت
«زينب» زوجته، لأنه بقي حياً إلى سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة
كما اختاره ابن عبد البرّ (2).
____________
(1) الإصابة 3 |372.
(2) الاستيعاب 3|881.
No comments:
Post a Comment
براہ مہربانی شائستہ زبان کا استعمال کریں۔ تقریبا ہر موضوع پر 'گمنام' لوگوں کے بہت سے تبصرے موجود ہیں. اس لئےتاریخ 20-3-2015 سے ہم گمنام کمینٹنگ کو بند کر رہے ہیں. اس تاریخ سے درست ای میل اکاؤنٹس کے ضریعے آپ تبصرہ کر سکتے ہیں.جن تبصروں میں لنکس ہونگے انہیں فوراً ہٹا دیا جائے گا. اس لئے آپنے تبصروں میں لنکس شامل نہ کریں.
Please use Polite Language.
As there are many comments from 'anonymous' people on every subject. So from 20-3-2015 we are disabling 'Anonymous Commenting' option. From this date only users with valid E-mail accounts can comment. All the comments with LINKs will be removed. So please don't add links to your comments.